Story


ع: عندي أحلى إجرين بالدنيا

دقائق في حوض المغسلة كلفته سنوات من العلاج

كان يوما من أيام أغسطس الملتهبة.. الساعة الرابعة عصراً.. كل شيء يبدو عادياً، الأولاد الثلاثة م (9 سنوات)، ز (5 سنوات) و أصغرهم (ع) الذي لم يكمل ربيعه الثاني، يجلسون يشاهدون التلفاز،والدتهم منهمكة ببعض الأعمال المنزلية، كان يوماً عادياً…إلى أن وقعت الكارثة. على غفلة من إخوته وأمه؛ (ع) يفتح صنبور الماء الساخن و يجلس في حوض المغسلة، يضحك و يستمتع باللعب بالماء… تفتقده أمه وتسأل أخاه “وين أخوك؟” يرد (م) بنبرة لا مبالية “بيلعب” وبعد قليل ينهض ليحضره. يقف مرتبكا يعتري وجهه الفزع، لم يصدق عينيه”(ع) انحرق..(ع) انحرق” يصرخ (م) بصوت ملؤه الخوف متمنيا لو أنه لم يكذب على أمه. تقف والدته (س) عاجزة أمام منظر رجلي إبنها المحروقتين، حملته بسرعة ووضعته داخل حوض الاستحمام المملوء بالثلج محاولةً إسعافه، لكن وضع طفلها كان يتطلب أكثر من مجرد ثلج لإنقاذه. “سقط جلده بين يدي” تقول (س). ا

!صدمة و مأساة

بعد أن أخذ الطفل إلى أقرب عيادة ووضع له مرهم خاص للحروق، تم تحويله فوراً إلى مشفى “هداسا عين كارم” في القدس. الأب يقود بسرعة جنونية، (ع) جالساً في حضن أمه يعضّ على أصابع يديه الصغيرتين من الألم. لحظاتٌ تمر كأنها سنين على والديه، يجلسان ينتظران الطبيب وإلى جانبهما الجدتان،عمّ القلق المكان. “لديه حروق من الدرجة الثانية و الثالثة وسيبقى مدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع في المشفى، كل شيء سيكون بخير”. ألقى الطبيب بكلماته المنمقة التي أحرقت قلب والدته وزادت من عذابها. “في تلك اللحظة شعرت بمدى خطورة الحالة و مأساويتها” قالت الوالدة. ا

المشهد الأصعب

عملية تتم مرة صباحاً و مرة مساءً يقومون فيها بفرك جلد (ع) المحروق كانت المشهد الأصعب لدى والدته، فقلبها المنتكس غير قادر على رؤية عذاب ابنها. “لم أكن أتمكن من الدخول معه ومشاهدة منظر الألم والدم الذي كنت سببا فيه، كانت مشاهدته مؤلمة جداً.” تقول (س) بحسرة. منظر (ع) وهو ممد على السرير بجسده الأبيض الصغير، في فمه خرطوم تغذية بلاستيكي شفاف لا يتجاوز قطره 2 ملم يصل إلى معدته، غير متجاوب مع أحد من حوله، يحاول إخفاء وتحمل ألمه؛ منظر لا يمحى من ذاكرة والدته التي تقول “لم يكن يرغب بالنظر ولا بالتحدث مع أحد”. ا

نزهة على كرسي متحرك

في حديقة المشفى الواسعة، أطفال يلعبون و يركضون من حولها، أصوات ضحكات تخترق أذني (س) بعناد وهي تنزه ابنها على كرسي متحرك، قلقة تتساءل إذا كان سيتمكن من المشي مثلهم مجدداً، شاردة تنظر بألم لحال ابنها وتتذكر حيويته ومرحه. ينظر (ع) من حوله ويتمنى لو أنه يشفى ويشارك الأطفال اللعب. تبوء محاولات المشفى والعائلة بجعله ينسى ألمه ورسم ابتسامة على وجهه بالفشل. “كنا نحضر له كافة الألعاب والحلويات التي يحبها ونلطف الأجواء لكن دون فائدة” تصف الوالدة حالته. الأغطية والستائر ذات الألعاب الجميلة لا تزيل رائحة الدواء المزعجة وكذلك منظر الشاش الذي يلف جسده والأجهزة الكبيرة التي تحيط بالصغير، كان يطغى على كل شيء. أنين، صراخ، و بكاء، هكذا كان حال (ع) الذي يحمل ببراءة عينيه الزرقاوين ألماً أكبر منه. أما أمّه فكانت على أمل شفاءه دون الخضوع لعملية تجميلية. ا

على أحر من الجمر

الأربعاء/20-08-2008/الثامنة صباحاً، كان موعد إجراء العملية. سيتم استئصال جزء من جلد ساقه اليمنى ووضعه على الكاحل الأيسر. كانت مناطق الفخذ و الكاحل متأثرة جداً بالحروق. حان الوقت، وضعت والدته الرداء الأزرق على جسدها المنهك ودخلت بخطوات متثاقلة مترددة “خدر الأطباء جسده وشعرت أني فقدته في تلك اللحظات” تقول والدة الصغير. غادرت الغرفة وتركت قلبها معه. ساعة انقضت على الأم كأنها دهر، الجميع ينتظر على أحر من الجمر، لحظات توتر تعيشها العائلة، انتهت العملية ودخلت الأم مرتعشة الجسد لا تعرف ما ينتظرها، رأت كباسات الحديد مغروزة داخل جلده، انهارت وفقدت أعصابها. “كان منظراً لا يمكن نسيانه” تقول بعينيها الدامعتين. ا

رحلة جديدة

اثنان وعشرون يوماً قضاها (ع) في المشفى، عاشتها عائلته لحظة بلحظة من القلق والدعوات له بالشفاء. أدخلت عودته إلى المنزل الفرحة إلى قلوب إخوته الذين كانوا ينتظرونه بلهفة، وبدأت رحلة جديدة من المعاناة التي لم تنته على حد تعبير والدته. بالرغم من تحسن حالته الجسدية إلا أن نفسيته كانت محطمة. يلقي بنفسه على الأرض ويبدأ بالصراخ والبكاء لساعات. بالرغم من صغر عمر (ع) إلا أنه كان يدرك ويعرف كل شئ وكانت تصرفاته تفاجئ الجميع. “عندما يحضر أحد لرؤيته يغطي رجليه بسرعة ولا يسمح لأحد برؤية ما حصل له” تقول والدته. “ازداد تعلقي ب(ع) كثيرا وكذلك تعلقه بي، شعوري بالذنب يلازمني طوال الوقت؛ ولكن أكثر ما يؤثر بي أن يرى نفسه مختلفا عن الناس”. تصف (س) الوضع وتضيف “أثرت الحادثة على وضع المنزل ككل خاصة ابني (م) الذي لا زال متأثرا بما حصل.” (ع) الآن لديه فوبيا من المستشفيات لاعتقاده أنهم سيؤذونه لكنه فخور جداً برجليه. ينظر إليّ (ع) وتعلو وجهه ابتسامة عريضة ويردد “أنا عندي أحلى إجرين بالدنيا”. ا

بقلم: ديانا الخياط

30.12.2010

One thought on “Story

Add yours

  1. قصه حلوه كتير و فيها امل كبير..
    اسلوب السرد مؤثر و بخلي القارئ يدخل بالجو.. ما شاء الله عليكي مبدعه

Leave a comment

Blog at WordPress.com.

Up ↑